عَبَسْ
الموت شيء آخر، لا يُنسى، بينما يَنسى الولادة الجميع بمَن فيهم والدا المولود، إلّا مولد أبي جعفر سيبقى طويلاً في البال، ليس لأنَّ ولادته ارتبطت بموت أمّه فقط، وليس لأنَّ الكرز قد فسد في سلاله تحت شمس ذلك اليوم من أيام حزيران؛ لكنْ لأنَّه أيضاً لم يتوقف عن البكاء لأيام، بكاء منع ساكني بيته من النوم في اليوم الأول،
خلال أيام قليلة أصبحت كلّ نساء القرية أمّهات له وكلّ بناتهن أخواته بالرضاعة، ولن يستطيع أنْ يتزوج واحدة منهنّ في المستقبل، هذا إنْ بقي حيّاً؛ فصراخه وحده كفيل بانتزاع حنجرته الصغيرة الطرية، دموع لم تنقطع، إضافة إلى أنَّه لم يأكل شيئاً لليوم السادس على التوالي، لا حليب أمهات ولا حليب بقر أو ماعز أو حتى ماء. لا يمكن أنْ ينجو أيّ وليد، أيّ مخلوق من ذلك؛ لكنَّ الصغير ما زال حيّاً، وما زال على أحد أنْ يجد طريقة لإطعامه أو لإسكاته، فصراخه المتعاظم الذي بدأت تردّد صداه الجبال قد طغى على كلّ شيء آخر في القرية، حتى على صوت المقاتلات الحربية التي جالت السماء أكثر من مرة على علوّ منخفض، إلى أنْ سقط الطفل أخيراً مغشيَّاً عليه بشفتين زرقاوين بين يدي جميلة، آخر امرأة احتضنته، كانت قد خرجت به بعيداً نحو التلال المُطلّة على القرية، وحيدَين بين الكروم والصخور الزرقاء، ترافقهما نتف غيوم صيفية.
التقطت إحدى ثمرات التين غير الناضجة، ومن ذاك الحليب الذي ينزّ عن الثمرة قطَّرت بين شفتي الصبي المغشيّ عليه. رمقت الصبي بنظرة آسفة مودّعة حين شعرت بأنَّه هدأ تماماً، معتقدة أنَّه يموت؛ لكنَّه حرّك شفتيه، دقَّقت النظر، شفتاه تلتويان بقوة، تنكمش عضلات وجهه وتنفرد بسبب مذاق ذلك الحليب الحادّ، ما سمح له بالتنفس مجدَّداً فخفَّ ازرقاق وجهه. دون أدنى فكرة أو أصغر تساؤل؛ جمعت بعض ثمار التين الأخرى، جلست إلى أقرب صخرة وبدأت تقطير الحليب في فمه. بعد قليل وهرباً من شمس الظهيرة لجأت المرأة إلى مغارة قريبة منها، مسحت رأس الصبي ووجهه بماء بارد ينزّ عن شقوق الصخر، وهناك توقفت دموع الطفل وجفَّت عيناه، ولسوف يعاني من التهاب ملتحمة مزمن بسبب ذلك الجفاف الذي سيرافقه حتى آخر حياته؛ لكنَّه هدأ تماماً الآن في هذه المغارة، وهدأت جميلة، وهدأت القرية، وهدأ البلد كلّه مع نهاية (حرب الأيام الستة).
الموت شيء آخر، لا يُنسى، بينما يَنسى الولادة الجميع بمَن فيهم والدا المولود، إلّا مولد أبي جعفر سيبقى طويلاً في البال، ليس لأنَّ ولادته ارتبطت بموت أمّه فقط، وليس لأنَّ الكرز قد فسد في سلاله تحت شمس ذلك اليوم من أيام حزيران؛ لكنْ لأنَّه أيضاً لم يتوقف عن البكاء لأيام، بكاء منع ساكني بيته من النوم في اليوم الأول،
خلال أيام قليلة أصبحت كلّ نساء القرية أمّهات له وكلّ بناتهن أخواته بالرضاعة، ولن يستطيع أنْ يتزوج واحدة منهنّ في المستقبل، هذا إنْ بقي حيّاً؛ فصراخه وحده كفيل بانتزاع حنجرته الصغيرة الطرية، دموع لم تنقطع، إضافة إلى أنَّه لم يأكل شيئاً لليوم السادس على التوالي، لا حليب أمهات ولا حليب بقر أو ماعز أو حتى ماء. لا يمكن أنْ ينجو أيّ وليد، أيّ مخلوق من ذلك؛ لكنَّ الصغير ما زال حيّاً، وما زال على أحد أنْ يجد طريقة لإطعامه أو لإسكاته، فصراخه المتعاظم الذي بدأت تردّد صداه الجبال قد طغى على كلّ شيء آخر في القرية، حتى على صوت المقاتلات الحربية التي جالت السماء أكثر من مرة على علوّ منخفض، إلى أنْ سقط الطفل أخيراً مغشيَّاً عليه بشفتين زرقاوين بين يدي جميلة، آخر امرأة احتضنته، كانت قد خرجت به بعيداً نحو التلال المُطلّة على القرية، وحيدَين بين الكروم والصخور الزرقاء، ترافقهما نتف غيوم صيفية.
التقطت إحدى ثمرات التين غير الناضجة، ومن ذاك الحليب الذي ينزّ عن الثمرة قطَّرت بين شفتي الصبي المغشيّ عليه. رمقت الصبي بنظرة آسفة مودّعة حين شعرت بأنَّه هدأ تماماً، معتقدة أنَّه يموت؛ لكنَّه حرّك شفتيه، دقَّقت النظر، شفتاه تلتويان بقوة، تنكمش عضلات وجهه وتنفرد بسبب مذاق ذلك الحليب الحادّ، ما سمح له بالتنفس مجدَّداً فخفَّ ازرقاق وجهه. دون أدنى فكرة أو أصغر تساؤل؛ جمعت بعض ثمار التين الأخرى، جلست إلى أقرب صخرة وبدأت تقطير الحليب في فمه. بعد قليل وهرباً من شمس الظهيرة لجأت المرأة إلى مغارة قريبة منها، مسحت رأس الصبي ووجهه بماء بارد ينزّ عن شقوق الصخر، وهناك توقفت دموع الطفل وجفَّت عيناه، ولسوف يعاني من التهاب ملتحمة مزمن بسبب ذلك الجفاف الذي سيرافقه حتى آخر حياته؛ لكنَّه هدأ تماماً الآن في هذه المغارة، وهدأت جميلة، وهدأت القرية، وهدأ البلد كلّه مع نهاية (حرب الأيام الستة).
الموت شيء آخر، لا يُنسى، بينما يَنسى الولادة الجميع بمَن فيهم والدا المولود، إلّا مولد أبي جعفر سيبقى طويلاً في البال، ليس لأنَّ ولادته ارتبطت بموت أمّه فقط، وليس لأنَّ الكرز قد فسد في سلاله تحت شمس ذلك اليوم من أيام حزيران؛ لكنْ لأنَّه أيضاً لم يتوقف عن البكاء لأيام، بكاء منع ساكني بيته من النوم في اليوم الأول،
خلال أيام قليلة أصبحت كلّ نساء القرية أمّهات له وكلّ بناتهن أخواته بالرضاعة، ولن يستطيع أنْ يتزوج واحدة منهنّ في المستقبل، هذا إنْ بقي حيّاً؛ فصراخه وحده كفيل بانتزاع حنجرته الصغيرة الطرية، دموع لم تنقطع، إضافة إلى أنَّه لم يأكل شيئاً لليوم السادس على التوالي، لا حليب أمهات ولا حليب بقر أو ماعز أو حتى ماء. لا يمكن أنْ ينجو أيّ وليد، أيّ مخلوق من ذلك؛ لكنَّ الصغير ما زال حيّاً، وما زال على أحد أنْ يجد طريقة لإطعامه أو لإسكاته، فصراخه المتعاظم الذي بدأت تردّد صداه الجبال قد طغى على كلّ شيء آخر في القرية، حتى على صوت المقاتلات الحربية التي جالت السماء أكثر من مرة على علوّ منخفض، إلى أنْ سقط الطفل أخيراً مغشيَّاً عليه بشفتين زرقاوين بين يدي جميلة، آخر امرأة احتضنته، كانت قد خرجت به بعيداً نحو التلال المُطلّة على القرية، وحيدَين بين الكروم والصخور الزرقاء، ترافقهما نتف غيوم صيفية.
التقطت إحدى ثمرات التين غير الناضجة، ومن ذاك الحليب الذي ينزّ عن الثمرة قطَّرت بين شفتي الصبي المغشيّ عليه. رمقت الصبي بنظرة آسفة مودّعة حين شعرت بأنَّه هدأ تماماً، معتقدة أنَّه يموت؛ لكنَّه حرّك شفتيه، دقَّقت النظر، شفتاه تلتويان بقوة، تنكمش عضلات وجهه وتنفرد بسبب مذاق ذلك الحليب الحادّ، ما سمح له بالتنفس مجدَّداً فخفَّ ازرقاق وجهه. دون أدنى فكرة أو أصغر تساؤل؛ جمعت بعض ثمار التين الأخرى، جلست إلى أقرب صخرة وبدأت تقطير الحليب في فمه. بعد قليل وهرباً من شمس الظهيرة لجأت المرأة إلى مغارة قريبة منها، مسحت رأس الصبي ووجهه بماء بارد ينزّ عن شقوق الصخر، وهناك توقفت دموع الطفل وجفَّت عيناه، ولسوف يعاني من التهاب ملتحمة مزمن بسبب ذلك الجفاف الذي سيرافقه حتى آخر حياته؛ لكنَّه هدأ تماماً الآن في هذه المغارة، وهدأت جميلة، وهدأت القرية، وهدأ البلد كلّه مع نهاية (حرب الأيام الستة).